يحبّ محمد صنفاً معيّناً من أناشيد البرّ والصيد..ويفضّل أن يقضي وقتاً طويلاً ليستمع إلى المسجّل على أن يظلّ مستلقياً أمام التلفاز..أو على أن يلعب مع أقرانه..
كم من الطاقة تهدر في حالة الإستلقاء هذه..وأيّ فائدة قد يجنيها من مجرّد الإستماع إلى المسجّل؟
لحظة..فهنا أودّ أن أتحدّث عن دور المسجّل في تربية أبنائنا..
لنعدّد معاً مهامه ومميّزاته..
= هو أخفّ ضرراً من التلفاز..وبالتأكيد لا يمكن موازنة مفاسده بمفاسد البلاي ستيشن الذي يدمّر الخيال والخلايا وحياة الطفل بأكملها إن لم يتداركه الله برحمته فيصرفه عنه..أو يجد من والديه صرامة تعينهما على ضبطه..
= يساعد الطفل على حفظ القرآن..
= مفيد في أوقات الحفلات لتسميع الأناشيد..
وماذا أيضا؟
لنكمل القصّة فهذا أفضل لي ولكم..
أعطينا محمداً كرّاسة للرسم وقلم رصاص في محاولة لتغيير عادة الإستلقاء هذه..
ـ بينما تستمع إلى المسجّل إرسم ما يحلو لك..
وبالفعل كانت النتيجة مذهلة منذ البداية..ووضع محمد اللبنة الأولى في موهبة الرسم من خلال لوحة صغيرة تعبّر عن مدى الحسّ الفنيّ الذي يمتلكه..
وبمرور الأيّام..وتكرار التجربة..أصبح الرسم من هواياته التي يقضي فيها معظم وقته..ولم تعد هناك حاجة إلى وجود مسجّل ينشد على مسامعه الأناشيد..
وهنا..قد نظنّ أن دور المسجّل قد إنتهى..ولكن تذكّروا دوره في تحفيظ القرآن..
أيمكنك أن تطالب طفلاً بأن ينضبط لينصت إلى ما يمكن أن يراه إلزاما له؟
حسناً..بعد أن كان المسجّل سبباً في إكتشاف موهبة محمد في الرسم..كان عليه أن يؤدّي دوره الحقيقيّ كمسجّل..
وطوال فترة رسم محمد تمّ إستبدال الأناشيد بقراءات متنوّعة لجزء عمّ..فلم يمض وقت طويل حتّى حفظ محمد عدداً كبيراً من سور الجزء..ولو كان مستلقياً هكذا لما كان لديه هذا الإستعداد إلى الإستماع للقراءات..
ليس من الضروري أن تكتشف الموهبة مباشرة من أوّل محاولة للوالدين..فقد لا تكون في الرسم وتكون في الأعمال الفنيّة..أو في تصليح الأدوات والصيانة..أو أيّ موهبة أخرى..
شريطة ألا نظهر جديّة الأمر بالنسبة لأطفالنا كي لا يظنّوا أنّه أمر إلزاميّ فينفروا منه..
ويمكن تطبيق الفكرة على نطاق أوسع في المدارس الإبتدائيّة وخاصّة مدارس تحفيظ القرآن..
فبدلا من أن يمضي الطفل حصص التلقي كلّها منصتاً ومطالباً بالإنضباط، يمكنه أن يتعرّف إلى مواضع الآيات القرآنيّة في الحصّة الأولى، ثمّ يتمّ إنتقال طلبة الفصل إلى مكان واسع يجلسون فيه على الأرض متباعدين يرسم كلّ واحد منهم على حدة..طوال الوقت الذي يستمعون فيه إلى السورة المقرّرة في الحصّة..
قد يعترض معترض بأنّ كثرة العدد قد تحيل الحصّة إلى معركة فتعمّ الفوضى..ويصبح الوضع مزعجاً بالنسبة للمعلّمين، فيضيع الهدف الذي من أجله تمّت إقامة الحصّة بهذه الطريقة..
غير أنّه بتقصّي مواهب الطلاب من خلال ما يميلون إليه يمكن تصنيفهم وإعطاؤهم الفرصة لأن يقوموا بما يحبّونه أثناء الإستماع إلى المسجل..
ويمكن إعتبار مثل هذه الحصص تعزيزاً للطلبة الذين يعانون من ضعف مستوى الحفظ لديهم بسبب كثرة حركتهم ونشاطهم.. من خلال أخذهم حصصاً إضافيّة يمارسون فيها ما يحبّونه من الهوايات أو اللعب بالألعاب البسيطة التي لا تتطلّب جهداً ذهنيّاً ليكون للاستماع نصيب واف من عقله أثناء لعبه..
حسناً..يا لها من مهمّة عظيمة تلك التي يتحمّلها المسجّل..ويقدّمها لنا..
الكاتب: هناء الحمراني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.